المادة    
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[ وقوله: [والعرش والكرسي حق]. كما بين تعالى في كتابه، قال تعالى: ((ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ))[البروج:15]... ((رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ))[غافر:15]... ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5]... ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ))[الأعراف:54] في غير ما آية من القرآن: ((لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ))[المؤمنون:116] ... ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ))[النمل:26]... ((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ))[غافر:7]... ((وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ))[الحاقة:17]... ((وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ))[الزمر:75].
وفي دعاء الكرب المروي في الصحيح: {لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم} .
وروى الإمام أحمد في حديث الأوعال عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك العرش وبين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله فوق ذلك، ليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء} ورواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة .
وروى أبو داود وغيره بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث الأطيط أنه صلى الله عليه وسلم قال: {إن عرشه على سماواته لهكذا، وقال بأصابعه مثل القبة} الحديث.
وفي صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرحمن} يروى: (وفوقه) بالنصب على الظرفية، وبالرفع على الابتداء، أي: وسقفه.
وذهب طائفة من أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه، محيط بالعالم من كل جهة، وربما سموه: الفلك الأطلس، والفلك التاسع، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه قد ثبت في الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة، كما قال صلى الله عليه وسلم: {فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور}.
والعرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى عن بلقيس: ((وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ))[النمل: 23]، وليس هو فلكاً، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، فهو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات، فمن شعر أمية بن أبي الصلت:
مجدوا الله فهو للمجد أهل            ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء العالي الذي بهر النَّا            س وسوَّى فوق السماءِ سريرا
شرجعاً لا يناله بصر العيـ            ـن ترى حوله الملائك صورا
الصُّور هنا جمع أصور، وهو المائل العنق لنظره إلى العلو. والشرجع هو العالي المنيف، والسرير: هو العرش في اللغة.
ومن شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، الذي عَرَّض به عن القراءة لامرأته حين اتهمته بجاريته:
شهدت بأن وعد الله حق            وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف            وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد            ملائكة الإله مسوَّمينا
ذكره ابن عبد البر وغيره من الأئمة.
وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أذن لي أن أُحدِّث عن ملكٍ من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش: إن ما بين أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام} ورواه ابن أبي حاتم ولفظه: {مخفق الطير سبعمائة عام}.
وأما من حرَّف كلام الله، وجعل العرش عبارة عن الملك، كيف يصنع بقوله تعالى: ((وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ))[الحاقة:17] وقوله: ((وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ))[هود:7]؟! أيقول: ويحمل ملكه يومئذ ثمانية؟! وكان ملكه على الماء؟! ويكون موسى عليه السلام آخذاً بقائمة من قوائم الملك؟! هل يقول هذا عاقل يدري ما يقول؟!)]
اهـ.
الشرح:
استدل المصنف رحمه الله على وجود العرش بهذه الآي من كتاب الله تعالى، ثم عقب على ذلك ببعض الأحاديث، فأما الآيات فصريحة أن لله تبارك وتعالى مخلوقاً عظيماً هو العرش، وأن الله تبارك وتعالى استوى عليه كما هو معلوم في مذهب أهل السنة والجماعة في الاستواء، فيوصف الله بالعلو كما يوصف بالاستواء؛ كما ورد في هذه الآيات.
فالعرش -إذاً- حق؛ وقد فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ذلك من هذه الآيات، وأن ذلك المخلوق الذي ورد في كتاب الله تعالى حق يجب الإيمان به، ولم يخوضوا كما خاض المؤولون والمبطلون ممن تقدمت الإشارة إليهم، وليس في هذه الآيات -والحمد لله- إشكال.
  1. الأصل في العقيدة الاستدلال بالحديث الصحيح

  2. حديث الأوعال

  3. عدد حملة العرش